جلست فاطمة في غرفتها تطالع وحدتها وتندب حظها وتراجع ذكريات طفولتها تبكي تارة و تبتسم تارة اخرى لترسم لوحة نقية من مزيج الدموع على الوجنات والبسمة الرقيقة على الشفاه تنظر من نافذة بيتها الصغير الذي طالما حلمت به يملئه الفرح و السعادة و السكينة يملئه صوت تغريد الاطفال يشدو وينشد في اذنها أمي ليداعب صباها طفولتهم وليرمون ارواحهم في حضنها متلذذين حنان عطفها ورحيق حنيتها .
نديمة بنت ال 22 عاما وبعد ان مضى على زفافها أكثر من شهرين جلست تنتظر زوجها الذي تأخر على غير عادته قلقة مضطربه تارة تجري في وسط بيتها الضيق يمنة و يسرى وتارة اخرى تنظر من نافذة بيتها أملة أن يطل زوجها وتستشعر بدمائها ساخنة كاوية تجري في عروقها .. و فجأة .... اذا بهاتفها يرن اوجست في نفسها خيفة وبدأت نبضات قلبها تزداد تسارعا كلما اقتربت من هاتفها ..نعم .. من المتكلم ... انه أخوها محمود يسأل عن حالها على غير عادته فهي لم تره قط ولم تسمع له صوتا منذ ان تزوجت و خرجت من بيت أبيها الى بيت زوجها .. نديمة كيف حالك .. جهزي متاعك .. اني قادم لاصطحابك الينا هنا و قد كلمت زوجك وهو في طريقه الينا الان .!! سأكون عندك بعد أقل من ربع ساعة .
وما هي الا دقائق معدودات وصل محمود واصطحبها الى بيت والدها .. وفجأة .. ومن غير مقدمات !!! .... انهال عليها والدها و أخوتها الذكور ضربا لحظة ان رست بقدمها عتبة بيت ٍ لطالما عاشت فيه أجمل لحظات طفولتها ففي كل ركن منه ذكرى .. نظرت اليهم وتملأها الحيرة و الدهشة .. ما الذي يحدث ؟! لماذا تنهالون عليا ضربا .. سالت دموعها على وجنتها .. اه كم سالت هذه الدموع على هذه الوجنات و كأنها خطت خطا لها كما يخط الماء شقا في السيل نظرت وكلها رجاء الى و الدها فهو دوما كان حضنا دافئا و سدا منيعا يحميها .... نظرت وكلمته دون كلمات أبتي كنت دائما تحول بيني و بين أخوتي .. ابتي انك اليوم تشاركهم .. ابتي ابتي ابتي .... صرخت فاطمة صراخا كصيحة تخرج مَن في القبور الا أن هذه الصيحات لم تجني من رحمتهم شيء .. وقفت أمها في وزواية المنزل بعيدا تبكي وتنظر بحسرة الى ما يحدث بفلذة كبدها نديمة تسلب منها الحياة وهي لاحول لها ولا قوة .. نظرت فاطمة الى أخيها أحمد .. أحمد لطالما مسح دموعها وضمدّ الامها ولكنه اليوم مشترك في قتلها ..!!!! سال الدم من رأسها و شفتيها أغمي عليها وسقطت ارضا وما زال في اذنيها عبارات غامضة كانت تسمعها وهي تضرب بوحشية الا انها لم تدرك معناها رددها والدها و اخوتها " وضعتي رؤوسنا في الوحل " استيقظت فاطمة من غفوتها الأليمة . نعم و لكن بعد ان قرروا أن يأخذوها نزهة للبحر وأي نزهة !! ... انها نزهة الموت !!! .. لقد خنقوها بماء البحر و أغرقوها .. وقبل أن تموت بلحظات .. نظرت الى السماء مودعة دنيا الالم ودموعها تمتزج بدمائها .. كان اخر ما تتمناه فاطمة أن تعرف بأي ذنب قتلت !!! .. نظرت الى السماء ولسانها بدأ يرتجف مرددا ربي مالي سواك فخذني اليك ..ففاضت روحها الطاهرة تعانق كواكب الجوزاء .
ويبقى السؤال محيراً ... فاطمة بأي ذنب قتلت !! .. وكذلك انجاها الله اليوم ببدنها لتكون عبرة و ايه لمن خلفها ..وجدوا جثتها وقد رست على شاطئ بحرٍ لم يعرف الحياة قط ممزقة الاشلاء شاخصة البصر الى السماء .
تحقيقات و تحقيقات ليتبين بأن السبب الذي قتلت من اجله فاطمة على يد من تحب هي قضية شرف .. فقد أبلغ زوجها والدها و اخوتها بانه رأى شابا يخرج من بيتها ..!!! ويبقى العجب كل العجب هو ما أدى اليه تقرير الطبيب الشرعي .. " نديمة ماتت بكرا ..!!! لم يمسسها حتى زوجها .. ؟!!!!!! .
فاطمة حفظت سر زوج ٍ لم يكن كباقي الرجال .. أخفى سره بموتها . وأبى الله الا أن يظهره ليكون عبرة واية لكل من تسول نفسه ظلم الناس .
فاطمة سافري بعيدا بعيدا .. فنعم المراكب ما قد ركبت و نعم السفر فهنيئا لك الجنة فهنالك لا ظلم و لا حزن ولا حتى دموع ....
آآآه .. يا فاطمة .. كم أتمنى أن تزول ذاكرتي لتمحو معها صورة موتك الشنيع .. وها انا ذا اصرخ لعل من يسمع صوتي .. تباً لهم .. تبا لهذه العادات و التقاليد ...!!!
حضرة القاضي أناشدك الله حبال المشانق .
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً *
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي *
صدق الله العظيم
لا حول ولا قوة إلا بالله.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
رحمها الله وغفر لها وتقبلها في الصالحين.
اللهم اغفر لها وارحمها وعافها واعف عنها.
ووسع مدخلها واجعل قبرها روضة من رياض الجنة.
وارزقها أهلا خيراً من أهلها وداراً خيراً من دارها.
وارزق أهلها الصبر والثبات يا رب العالمين