الجهر بالذكر عقب الصلاة ، من سنة سيدنا رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " ومن هديه الشريف ، ولقد ثبت عنه بالأدلة الصحيحة القطعية ، أنه جهر بالذكر ، حتي أن أكثر الأذكار الواردة عقب الصلاة ، سمعها الصحابة منه حالة جهره بها ، وبلغوها كم سمعوها ، وهذا يدل دلالة واضحة ، أنه جهر بتلك الأذكار ولو كان الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " قد قالها سراً ما سمعها صحابته منه 0
وإليك أخي الكريم بعض الأذكار التي صرح الصحابة " رضوان الله عليهم " بسماعها من حضرة النبي " صلي الله عليه وآله وسلم "
1 - روي الإمام البخاري في صحيحه عن ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملي علي المغيرة بن شعبة – في كتاب إلي معاوية - أن النبي " صلى الله عليه و سلم " كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، و لا معطي لما منعت ، و لا ينفع ذا الجد منك الجد 0.
فتح الباري ج2 / ص 386 – 387 / ط دار المنار
والشاهد في هذا الحديث تصريح الصحابي بالسماع من النبي " صلي الله عليه وسلم " هذا الذكر دبر كل صلاة 0
2 - روي الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن الزبير " رضي الله عنهما " أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ، لا حول و لا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله و لا نعبد إلا إياه ، له النعمة و له الفضل ، و له الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين و لو كره الكافرون " .
قال ابن الزبير : و كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يهلل بهن دبر كل صلاة .
صحيح مسلم ج1 / ص 415 / ط دار إحياء التراث العربي – بيروت
والشاهد في هذا الحديث أن الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن الزبير كان يقول يواظب علي هذا الذكر بعد الصلاة وأخبر أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم" كان يهلل بهن دبر كل صلاة0
3- روي الإمام مسلم في صحيحه عن ثوبان قال: كان رسول الله " صلى الله عليه وسلم " إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا ، وقال : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام 0قال الوليد : فقلت للأوزاعي : كيف الاستغفار ؟ قال تقول: أستغفر الله أستغفر الله0
صحيح مسلم ج1 / ص 144 / ط دار إحياء التراث العربي – بيروت
والشاهد تصريح الصحابي سيدنا ثوبان بسماع النبي " صلي الله عليه آله وسلم " أنه كان يقول هذا الذكر0
أخي الحبيب :
قد تكون الأدلة السابقة ظنية الدلالة علي مشروعية الجهر بالذكر لعدم ذكر الصحابي الجهر صراحة ، ولكن هناك دليلين قطعيين الدلالة علي الجهر بالذكر فلقد صرح سيدنا عبد بن عباس وسيدنا عبد الله بن الزبير أن الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " كان يجهر بها مع الصحابه " رضوان عليهم "
الدليل الأول : عن عبد الله بن الزبير أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " كان يقول دبر الصلاة إذا سلم قبل أن يقوم يرفع بذلك صوته :
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله [ و] لا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون0
السلسلة الصحيحة للألباني رقم [ 3160 ]
ولقد ذكر هذه الرواية شيخنا الشافعي " رضي الله عنه " في كتابه [ الأم ٍ] [ج2] فقال :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني موسى بن عقبة، عن أبي الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون".
فهذا الرواية تدل دلالة واضحة ، وضوح الشمس في ضحاها ، علي أن الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " كان يجهر بالذكر بل بصوته الأعلي كما هو واضح من تعبير سيدنا عبد بن الزبير : كان رسول الله " صلى الله عليه وسلم " إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى0فهذا الدليل كما تري قطعي الدلالة علي الجهر بالذكر عقب الصلاة 0
الدليل الثاني : وكما صرح سيدنا عبد الله بن الزبير بالجهر ، صرح كذلك الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عباس " رضي الله عنهما" أن رفع الصوت كان علي عهد النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " وإليك رواية الإمام البخاري في صحيحه في باب " الذكر بعد الصلاة " قال : حدثنا إسحاق بن نصر قال : حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا بن جريج قال : أخبرني عمرو أن أبا معبد مولى بن عباس أخبره أن بن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي " صلى الله عليه وسلم " وقال بن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته
صحيح البخاري ج1 / ص 288 / ط دار ابن كثير – اليمامة - بروت
فهذا الحديث الذي صرح فيه سيدنا عبد بن عباس أن السنة هي الجهر بالذكر وأن رفع الصوت كان علي عهد صاحب الرسلة وهو فعل صاحب الشريعة " صلي الله عليه وآله وسلم " بل إن سيدنا عبد الله بن عباس كان يعرف إنقضاء الصلاة بارتفاع الصوت 0
* ولقد روي البخاري في نفس الباب أيضا رواية أخري فقال : عن بن عباس رضي الله عنهما كنت أعرف انقضاء صلاة النبي " صلى الله عليه وسلم" بالتكبير0
صحيح البخاري ج1 / ص 288 / ط دار ابن كثير – اليمامة - بروت
من مجموع ما سبق يتضح لكل منصف ، أن الرسول الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم " جهر بالذكر برفع الصوت ، أوبصوته الأعلي ، وكان من في المسجد ، أوخارج المسجد يتعرف علي انقضاء الصلاة بسماع الجهر بالذكر ، من حضرة النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " ويحتمل في رواية ابن عباس أن بعض المسلمين تهاونوا في هذه السنة المباركة ، فأراد أن يعلمهم أن رفع الصوت بالذكر كان علي عهد النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " كما هو الحال في عصرنا هذا نجد بعض المسلمين يتحرج من رفع الصوت بحجة التشويش علي المسبوق ، فيا من يقول ببدعية الجهر بالذكر بعد الصلاة هذا نبيك المرتضي وحبيبك المصطفي " صلي الله عليه وآله وسلم " رفع صوته الأعلي بالذكر عقب الصلاة 0 أفبعد هذه الدلائل الواضحة الجلية ، نسمع من يبدع كل من أراد أن يقتدي بالنبي " صلي الله عليه وآله وسلم " (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب : 21 )